23 أكتوبر 2020

الترجمة من اللغة الهندية الى العربية / وهيبة سكر

 ترجمة الكتب الهندية إلى اللغة العربية، علاقة الهند بالحضارة الإسلامية، وأشهر العلوم التي ترجمها المسلمون عن الهند في الفلك والطب وغيرها

ترجمة الكتب الهندية إلى اللغة العربية

    منذ فجر الإسلام بدأت حركة الترجمة عن اللغات الأخرى إلى العربية، وشملت الفارسية والهندية واليونانية في ميادين الآداب والعلوم كافة.

    ولئن كان المسلمون قد أخذوا عن الحضارات السابقة، فإن هذا لا يقلّل من شأنهم، لأن الترجمة كانت مرحلة من مراحل الابتكار العلمي الإسلامي، وهذه المراحل هي: النقل والترجمة، أولاً، ثم الشرح والتفسير، ثانياً، فالنقد والتصحيح، ثالثاً، وأخيراً مرحلة الإضافة والابتكار. فماذا أفادت الحضارة العربية من المعارف الهندية؟

    العلاقة بين الهند والعالم العربي
    كانت الهند معروفة لدى العرب منذ أمد بعيد، ولا شك في أن التواصل التجاري بينهما قديم قدم التاريخ نفسه. وقد حافظ على ذلك كلتا الأمتين، فحظيت العلاقات الثقافية بين الهند والعالم العربي بالاهتمام نفسه. وعندما بدأ تدوين العلوم، شهدت المنطقتان تطوراً مهمّاً في علاقات التواصل التي ربطت بينهما.

    ويفيد التاريخ بأن العلماء والحكماء والأطباء الهنود قد اجتمعوا بعدد كبير في عاصمة الخلافة الإسلامية، في عهد الخلفاء العباسيين، وبشكل خاص في عهدي هارون الرشيد وولده المأمون، وكان فيهم مَن أفادوا فائدة كبرى من مدرسة جندي سابور في اللغتين العربية والفارسية، وبذلك أسدوا خدمات جُلّى في نقل العلوم الهندية إلى اللغة العربية. ومن أبرز هؤلاء العلماء كنكا هندي، وصالح بن بهلة، وابن دهن، وصنجهل الهندي، وبازيكر، وقلرقل، وسندباذ، وغيرهم كثيرون. وكتب ابن النديم أن مِن علماء الهند مَن وصل إلينا كتبه في النجوم والطب، أمثال: باكهر، راحه، صكه، داهر، آنكو، زنكل، أريكل، جبهر، اندى، وجبارى.

    ومنذ فجر الإسلام بدأت حركة الترجمة عن اللغات الأخرى إلى العربية، وامتدت إلى الهند في أواخر القرن الأول الهجري، واستؤنفت في منتصف القرن الثاني الهجري، ثم نشطت مرة أخرى في القرن الخامس الهجري. وذكر الجاحظ أن الهند: "اشتهر بالحساب وعلم النجوم وأسرار الطب"، وقال الأصفهاني إن: "الهند لهم معرفة بالحساب والخط الهندي وأسرار الطب وعلاج فاحش الداء".

    ويُقال إن كسرى أنوشروان أرسل طبيبه برزويه إلى الهند لاستحضار كتب ومؤلفات في الطب فعاد بالكثير منها، وإن قصة كليلة ودمنة انتقلت من الهند من ضمن ما نقله برزويه من كتب، بالإضافة إلى لعبة الشطرنج.

    لقد وقف العرب القدماء على جانب من حضارة الهند وأخبارها، ومظاهرها الثقافية، من طريق المدارس العلمية في أرض الرافدين مهد الحضارات القديمة، التي كانت على اتصال وثيق بالهند، فتبادل معها السلع، ويأتي إليها علماؤها، وقد تخرّج على أيدي الهنود بمدرسة جنديسابور الساسانية فريق من العرب، منهم: الحارث بن كلدة الثقفي طبيب العرب قبل الإسلام.

    الترجمة عن الهند
    عندما عكف المسلمون على ترجمة كتب الفرس إلى العربية، نقلوا بين ثناياها أجزاء من ثقافة الهنود وعلومهم، وقام بعض المترجمين، أمثال منكة الهندي، وابن دهن الهندي، بنقل السنسكريتية (وهي في الأصل لغة هندية) إلى العربية مباشرة. ومن العلوم التي أخذ فيها المسلمون عن الهنود: الفلك والطب والرياضيات. فالأرقام الحسابية المستخدمة في العالم حالياً أخذها المسلمون عن الهنود وانتقلت من المسلمين إلى الغرب.

    ويؤكد رأيه هذا في أن أول كتب الفلك والرياضيات التي حُملت إلى بلاط الخلافة أيام المنصور العباسي هو كتاب "ابراهما سدهانتا" لمؤلفه العالم برهمكيت وتذكره الكتب العربية باسم "السند هند"، الذي يرجع تأليفه إلى 425 ق.م، وكتاب "كهاديكا" المعروف باسم "أركند"، ثم كتاب "أريه بُهت" المعروف باسم "أرجهند" أعظم الفلكيين والرياضيين الهنود. وهو من أول الكتب التي يظن أن العرب تعلموا منها الأرقام الحسابية والنظام العشري.

    فقد شغف المنصور بالفلك، ناهيك عن تشجيعه للترجمة، إلى درجة أنه اصطحب نوبخت الفارسي، وابنه أبا سهل بن نوبخت، وكان في حاشيته أيضاً ابراهيم الفزاري وابنه محمد، وعلي بن عيسى الأسطرلابي وغيرهم، وقد كلف المنصور العالم الجغرافي محمد إبراهيم الفزاري، بترجمة الكتاب الذي قدمته البعثة الهندية، المنوه عنها سابقاً، وصلت بغداد (156ﻫ ـ 773م) من الهند، وأطلق العرب على هذا الكتاب اسم "كتاب السند هند الكبير".

    ولقد أجمع البيروني والقفطي على إن كتاب الفزاري هذا، لم يكن إلا ترجمة كتاب "سند هانت" لإبراهيم كيث، وأصبح، في ما بعد، نواة لأول مدرسة لعلم الهيئة العربي، حتى جاء عصر المأمون، وترجم كتاب المجسطي لبطليموس، فصار العلماء العرب يروجون لعلم الهيئة اليوناني على حساب التأثيرات الهندية.

    ترجمة كتاب السموم "شاناق"

    وكتاب السموم لمؤلفه الحقيقي "تشانكيه" الذي سمّاه العرب "شاناق"، وكان وزيراً لـ"تشندر غبت موريه" الذي كتب عنه ابن أبي أصيبعة في عيون الأنباء: "ومن المشهورين أيضاً من أطباء الهند شاناق، وكانت له معالجات وتجارب كثيرة في صناعة الطب، وتفنَّن في العلوم، وفي الحكمة، وكان بارعاً في علم النجوم، حسن الكلام، متقدماً عند ملوك الهند".

    الأرقام الهندية
    من أهمّ مآثر العرب في العلوم المختلفة في العهد الإسلامي أنهم نقلوا الأرقام الهندية (من 1 إلى 9) إلى اللغة العربية التي امتدت إلى جميع البلاد الأخرى بواسطتهم، وكانت الأعداد تكتب في بلاد العرب وغيرها من البلاد الأخرى بالأحرف. ويسميها العرب الأرقام الهندية، لأنهم وجدوها من أهل الهند. أما أهل أوروبا فيسمّونها أرقاماً عربية لأن الرياضيات وصلت إليهم من العرب. وكان أول من تلقّى العلم على هذه الأرقام الهندية من العرب هو أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي، ولذلك هناك فرع خاص بالحساب يقال في الإنجليزية Algorism لأنهم نقلوه عن الخوارزمي.

    وقد انتشر استعمال الأرقام الهندية في بلاد الغرب والأندلس ومن طريق الأندلس دخلت هذه الأرقام إلى أوروبا، كما أوجد العرب طريقة جديدة، هي طريقة الإحصاء العشري، واستعمال الصفر.

    في علم الفلك
    وقد نجح العرب في استخراج قواعد مفيدة في الرياضيات تتعلق بالمسائل الفلكية لم يتمكن منها اليونانيون، كالمثلثات الكروية (راجع: "علم الفلك وتاريخه عند العرب" لكرلو نلينو). وهذا العلم جاء من طريق الهند، ومصدره الأول كتاب سنسكريتي معروف باسم "برهم سداند"، الذي ألفه "برهم غبت"، مؤلف من الهند بارع في العلوم المتعددة، وكان له من العمر ثلاثين سنة فقط، وأهداه في العام 824م إلى الملك "دياكر موكا". وكتب القفطي عن وصول هذا الكتاب إلى بغداد.

    في علم الطب
    كذلك كان في بغداد أطباء هنود يمسكون الطب الهندي إلى جانب الطب اليوناني، اشتهر منهم في عهد الرشيد "صالح بن بهلة الهندي" - وقد ذكر الجاحظ أن يحيى بن خالد جلب أطباء من الهند مثل "منكه" و "يازبكر" و "قلبرقل" و "سندباد"، وفي كتاب طبقات الأطباء لأبن أبي أصيبعة أسماء الأطباء.

    وكتاب "استنكر الجامع" نقله ابن دهن الهندي، فمن المعروف أن أطباء الهند نبغوا في استخدام الأعشاب الطبّية في مداواة الكثير من العلل وقد نقل المسلمون الكثير عن فوائد الأعشاب عن الهنود، وبعض هذه الأعشاب لم يعرفها اليونان لأنها لا تنبت إلا في أقاليم الهند وشرق آسيا، ويقال إن خالد بن يحيى البرمكي جلب بعض أطباء الهند مثل: منكة، وقلبرقل، وسندباد. وكان الاتصال بالحضارة الهندية مصحوباً بتعريب كثير من المصطلحات والأسماء، مثل: زنجبيل، وكافور، وخيرزان، وفلفل.

    في علم النحو

    وفي الهند توجد أثار علم النحو، كباقي العلوم الأخرى، منذ الزمن القديم؛ ولم يظهر علم النحو إلى حيز الوجود في العربية واللغات الأخرى إلا بعد فترة طويلة. وقد روى البيروني عن بداية علم النحو ومنطلقه رواية عجيبة توافق كل الموافقة الرواية التي رويت عن أبي الأسود الدولي في النحو ونشأته. وعلاوة على علم النحو، كانت لدى العرب رغبة أكيدة في علم العروض الهندي. وقد سلَّط البيروني على هذه القضية أضواء مفصلة كتب في آخرها: "ومن الممكن أن يكون الخليل بن أحمد قد سمع أن للهند موازين في الأشعار كما ظنّ به بعض الناس".

    وممّا يجدر ذكره إن الخليل بن أحمد قد يكون استفاد من الهنود، لكن لا شك في أنه استفاد كثيراً من العلوم اللسانية السنسكريتية. وعلى كل حال كانت الفائدة التي حصلت عليها اللغة العربية من اللسانيات والآداب الهندية كبيرة جداً.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق