مرآه الروح من فيوضات مولانا جلال الدين الرومي في المثنوي// وهيبة سكر
يحصل أن يتملك الوعي الداخلي للإنسان حالات يمتزج فيها العقلي بالروحي والنفسي فيخاطب الله بالمزيج نفسه، ثم يصحو من هذه الحالة على فكرة "ليس كمثله شيء".. فيحرر ذاته من قيد بعض الصفات البشرية التي قد يصبغ فيها تصوره عن الله .
ويبدو للباحث أو المتذوق في مجال التصوف بأن المتصوفة امتدت بهم لحظات من توهج "النفخة الإلهية" في أجسادهم ليعبّروا عن هذه اللحظات بلغات مختلفة، "العربية، الفارسية، الصينية، الهندية.." فاختلفت الأجساد والأشكال للتعبير عن تجليات "المطلق" و"اللامحدود" و "اللامرئي"، لكن رغم ذلك يشعر القارئ لشعرهم ومدوناتهم بأنه يحتاج تجربة صوفية حقيقية تساعده في فهم بعض ما دوّنوه.
ويتضح على سبيل المثال في كتاب "المثنوي" أن جلال الدين الرومي قد أدرك سرّ إشراق "الإلهي" في الذات الإنسانية، أي تجلي "النفخة الإلهية" في الجسد الطيني على الحقيقة، وذلك بحسب قوله: "وإنّ لي ردحاً من الزمان أبحث عن صورة روحي، لكن صورتي لم تكن تبدو قط في (مرآة) إنسان!!" وهو بذلك يتجاوز مفهوم ابن عربي عن رجل يبحث عن مرآة روحه في صورة امرأة يكمل بها معرفته بنفسه، فالصورة التي يعنيها جلال الدين هي صورة من الهيولى تأتي في ما بعديات تصورات ابن عربي عن صورة تكامل قد تتجلى في المرأة، إن صورة "الروحي" غير المتجلية في "مرآة إنسان" عند جلال الدين تمثّل حالة من الوعي الكلي لمفهوم عميق عبّر عنه في أكثر من موضع كقوله: " قلت أيها القلب، ابحث عن المرآة الكلية، وامض إلى البحر، فلا نفع يتأتى من الجدول.
- ومن هذا الطلب، وصل العبد (الفقير) إلى حبّك، فإن الألم هو الذي جذب مريم إلى جذع النخلة!!"
-" ما تزال تبحث عن الجدول و البحر يبحث عنك"، فالجدول هو الانشغال بالصورة عن المعنى، أو الانشغال بالتفاصيل البشرية عن الوجود الإلهي، أو الوقوع في أسر عشق صورة بشرية تشغل عن عشق أكبر.. تماماً كالانشغال بالجدول عن البحر، إن حضور القلب مدعاة لحضور العشق، ولعلّ عشق جلال الدين الرومي بدأ بالألم والاحتراق إلى أن وصل إلى الانعتاق وبلوغ المعرفة الكلّية، تماماً كما بلغت القديسة مريم عليها السلام عبر الألم أوج معرفتها .
إن الغاية من هذه الأمثلة تعيدني إلى ما بدأت به كلامي، كيف عرف جلال الدين ربه؟؟ كيف استطاع التعمّق في حواراته مع عالمه الداخلي ليسمع صوت الله فيه، وكيف اهتدى أخيراً إلى أهمية البحث عن البحر وترك الجدول..
لكلّ منّا جدوله الذي يشغله عن البحر، وليس بالضرورة لكي يعثر أي منا على بحره أن يلبس عباءة من صوف ويدور في الأروقة منادياً الله كما فعل جلال الدين الرومي، إن المهمة الأولى لكل إنسان هي أن يميز جدوله من بحره، فلكل منّا جدوله الخاص وبحره الخاص، إن عثرنا عليهما سنصل إلى البحر الكلي الذي دعا إليه كبار المتصوفة والعارفين الروحيين، البحر الذي ينقذ الإنسانية من كل هذا الدمار والموت وحب الموت، العثور على البحر يعني أننا نمضي في طريق "الصراط المستقيم". لقد بدأ خلاص جلال الدين الرومي بالألم الذي طهّره من اتّـباع الجدول، وأعتقد بأن الحياة الإنسانية في هذا العالم تعيش المخاض المؤلم ذاته، إنها مرحلة اختيار "البحر أو الجدول" .
ليس البحث عن الله من اختصاص علماء الفقه والقسسيسين، بل ربما بدأنا نضل طريقنا منذ أن سلمنا بكليتنا للبعض منهم، إن "المرآة الكلية" التي ينادي بها جلال الدين الرومي هي مرآة أوسع من ذلك بكثير، مرآة ينعكس فيها حب الخير وحب الموسيقى وحب الفن، وحب الحياة، إن ضياع المرآة الكلية أغرق الكثير منا في متاهات ظلامية ولكثرة اشتداد الغرق أغرقنا أوطاننا وحضارتنا وتاريخنا معنا، وليس ثمة خلاص قبل معرفة البحر من الجدول..
لا تكفي هذه القطرات العابرة للتعمّق في في مرآة المثنوي أوغيره من فيوضات جلال الدين الرومي، فإنما هذا المقال هو إلقاء حجر صغير عابر يقلق ركود بحيرة القلب، وقد يأتي في مقالات لاحقة ما قد يكون جدير بالبوح.
ويبدو للباحث أو المتذوق في مجال التصوف بأن المتصوفة امتدت بهم لحظات من توهج "النفخة الإلهية" في أجسادهم ليعبّروا عن هذه اللحظات بلغات مختلفة، "العربية، الفارسية، الصينية، الهندية.." فاختلفت الأجساد والأشكال للتعبير عن تجليات "المطلق" و"اللامحدود" و "اللامرئي"، لكن رغم ذلك يشعر القارئ لشعرهم ومدوناتهم بأنه يحتاج تجربة صوفية حقيقية تساعده في فهم بعض ما دوّنوه.
ويتضح على سبيل المثال في كتاب "المثنوي" أن جلال الدين الرومي قد أدرك سرّ إشراق "الإلهي" في الذات الإنسانية، أي تجلي "النفخة الإلهية" في الجسد الطيني على الحقيقة، وذلك بحسب قوله: "وإنّ لي ردحاً من الزمان أبحث عن صورة روحي، لكن صورتي لم تكن تبدو قط في (مرآة) إنسان!!" وهو بذلك يتجاوز مفهوم ابن عربي عن رجل يبحث عن مرآة روحه في صورة امرأة يكمل بها معرفته بنفسه، فالصورة التي يعنيها جلال الدين هي صورة من الهيولى تأتي في ما بعديات تصورات ابن عربي عن صورة تكامل قد تتجلى في المرأة، إن صورة "الروحي" غير المتجلية في "مرآة إنسان" عند جلال الدين تمثّل حالة من الوعي الكلي لمفهوم عميق عبّر عنه في أكثر من موضع كقوله: " قلت أيها القلب، ابحث عن المرآة الكلية، وامض إلى البحر، فلا نفع يتأتى من الجدول.
- ومن هذا الطلب، وصل العبد (الفقير) إلى حبّك، فإن الألم هو الذي جذب مريم إلى جذع النخلة!!"
-" ما تزال تبحث عن الجدول و البحر يبحث عنك"، فالجدول هو الانشغال بالصورة عن المعنى، أو الانشغال بالتفاصيل البشرية عن الوجود الإلهي، أو الوقوع في أسر عشق صورة بشرية تشغل عن عشق أكبر.. تماماً كالانشغال بالجدول عن البحر، إن حضور القلب مدعاة لحضور العشق، ولعلّ عشق جلال الدين الرومي بدأ بالألم والاحتراق إلى أن وصل إلى الانعتاق وبلوغ المعرفة الكلّية، تماماً كما بلغت القديسة مريم عليها السلام عبر الألم أوج معرفتها .
إن الغاية من هذه الأمثلة تعيدني إلى ما بدأت به كلامي، كيف عرف جلال الدين ربه؟؟ كيف استطاع التعمّق في حواراته مع عالمه الداخلي ليسمع صوت الله فيه، وكيف اهتدى أخيراً إلى أهمية البحث عن البحر وترك الجدول..
لكلّ منّا جدوله الذي يشغله عن البحر، وليس بالضرورة لكي يعثر أي منا على بحره أن يلبس عباءة من صوف ويدور في الأروقة منادياً الله كما فعل جلال الدين الرومي، إن المهمة الأولى لكل إنسان هي أن يميز جدوله من بحره، فلكل منّا جدوله الخاص وبحره الخاص، إن عثرنا عليهما سنصل إلى البحر الكلي الذي دعا إليه كبار المتصوفة والعارفين الروحيين، البحر الذي ينقذ الإنسانية من كل هذا الدمار والموت وحب الموت، العثور على البحر يعني أننا نمضي في طريق "الصراط المستقيم". لقد بدأ خلاص جلال الدين الرومي بالألم الذي طهّره من اتّـباع الجدول، وأعتقد بأن الحياة الإنسانية في هذا العالم تعيش المخاض المؤلم ذاته، إنها مرحلة اختيار "البحر أو الجدول" .
ليس البحث عن الله من اختصاص علماء الفقه والقسسيسين، بل ربما بدأنا نضل طريقنا منذ أن سلمنا بكليتنا للبعض منهم، إن "المرآة الكلية" التي ينادي بها جلال الدين الرومي هي مرآة أوسع من ذلك بكثير، مرآة ينعكس فيها حب الخير وحب الموسيقى وحب الفن، وحب الحياة، إن ضياع المرآة الكلية أغرق الكثير منا في متاهات ظلامية ولكثرة اشتداد الغرق أغرقنا أوطاننا وحضارتنا وتاريخنا معنا، وليس ثمة خلاص قبل معرفة البحر من الجدول..
لا تكفي هذه القطرات العابرة للتعمّق في في مرآة المثنوي أوغيره من فيوضات جلال الدين الرومي، فإنما هذا المقال هو إلقاء حجر صغير عابر يقلق ركود بحيرة القلب، وقد يأتي في مقالات لاحقة ما قد يكون جدير بالبوح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق