24 يناير 2015

إشكاليات الحب العذري واكذوبة قصة قيس وليلي // وهيبة سكر

لابد من الاعتراف أن اشكاليات ما يعرف بالحب العذري تبرر احيانا هذه النظرة خصوصا حين نعرف أن حكاية قيس وليلى أكبر كذبة اخترعها المخيال العربي المكبوت ليبكي على نفسه من منظور اخلاقي


جنون الحب تطهر اغريقي أم تصحر عربي؟
ان خط التوهم ليس كخيط الكذب ففي الاول الذي نجده بغزارة في قصص الحب لا يوجد نوايا خبيثة ولارغبات دفينة في الايذاء والاخفاء لكنه مجرد خيال يعمل على خلق ما هوغير موجود وغير معقول ثم يبهره ويزينه ويحسن نكهته ليبدو معقولا وموجودا عند مستمعين متعطشين فهو والحالة هذه وصفة مجربة وناجحة لانه يقدم خدمات نفسية مجانية لمن يحتاجونها ومن هو أكثر حاجة من المكبوت عاطفيا الى قصة حب تبل ريقه ليفرح ويتفاءل ان كانت نهايتها سعيدةأو يسكت ويتعزى حين يسمع عمن يشاركه الهموم ذاتها . 
ان التوهم والتأليف الخيالي حاجة ماسة للمجتمعات البدائية فانت ان ضجرت اليوم تذهب الى السينما او المسرح او تقرأ كتابا او تكتفي بالتلفزيون لكن ماذا يفعل بضجره وكبته من ليس عنده غير الرمل دوما وضوء القمرأحيانا وبينهما تقاليد أكثر قسوة من الجلاميد . 
وقبل ان نخوض في تفاصيل أكبركذبة جميلة اخترعها الرواة العرب دعونا نتذكر ان القصص الواقعي لا يصلح لشحذ الخيال وان القصة المتوهمة تحتاج الراوي اكثر من حاجة الراوي للقصة فما بين الخيال والواقع مساحة وهم استولى عليها الرواة وحرروها وحولوها الى واحات سياحة روحية يقصدهم الناس من أجلها فالراوي الجيد في هذه الواحات ليس من يصدق وينقل التفاصيل بدقة بل من يخترع ويضيف ويسربل الحقائق بالاوهام التي يدرك ان حاجة مستمعيه اليها كحاجة القمح للمطر . 
وانطلاقا من هذه الخلفيات فاننا لا نؤذي التراث العربي ولا نحاربه حين نقول ان حكاية مجنون ليلي أكبر كذبة اخترعها الرواة بل نضع القصة في سياقها الصحيح فهي في الحكم النهائي -ومهما تأسينا لصاحبها وصاحبتها - محصلة وهم جماعي اخترعه البدو ليرطبوا به جفاف الصحراء وليعزوا أنفسهم بالايحاء ان كل مصيبة تهون أمام فقدان الحبيب فنحن هنا مع شكل من اشكال التطهر الاغريقي الذي يغسل ضمائر البشر باغراقهم بالتراجيديا . 
وكما اكثر الاغريق من المسرحيات التراجيدية أكثر العرب من قصص الحب المحطم والتعيس والمنكود الى درجة انك لا تجد قصة حب واحدة بنهاية سعيدة وان سالت نفسك لماذا يوجد العذول في كل قصة حب و في واحدة من كل ثلاث من اغاني الحب عندنا على الأقل فسوف تجيبك تلك النفس الحلوة الذكية ان تلك الظاهرة نشأت لاننا مجتمعات تقف ضد الحب وتضع في وجهه الحراس والبوابات والاسوار وكل ما يكرهه محمد عبده في واحدة من اجمل اغانيه التي تلعب على هذه الاوتار المعروفة في النفس العربية. 
ان قصة قيس بن الملوح مع ليلى العامرية لا يمكن تفسيرها الا بهذه الحاجة الجماعية للتطهر النفسي وكل من يقرأ اخباره بدقة يكتشف –وان لم يكن من اصحاب الخبرة بالبحث العلمي- تناقضها وعدم اتساقهاوهي مشكلة شغلت من قبلنا فاضطروا لوضعها في اطار الصحيح والمنحول لان مناهج دراسة علم النفس لم تكن قد وجدت لتساعدهم على فهم الغنى العاطفي في تلك النصوص وحاجة المجتمعات اليها كشكل من اشكال العزاء في وجه التصحر العاطفي فالبشر ايضا يتصحرون ويجفون وتقل المساحات الخضراء في قلوبهم حين لا يحبون ولا يجدون حولهم من يحب او يحكي عن الحب ولو من باب التحذير و التراجيديا . 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق