28 فبراير 2015

الحب عند ابن حزم سحر يحرك الجبال // وهيبة سكر

الحب علي مذهب ابن حزم سحر يحرك الجبال // بقلم وهيبة سكر

ما أن تسأل ما هو أجمل وأرق كتاب عربي في فن الحب حتى يأتيك الجواب دون تردد متفقا عليه أنه (طوق الحمامة في الألفة والآلاف)لأبن حزم الأندلسي ولا شك ان الاجماع على تقديم ذلك الكتاب لم يأت من فراغ فقد أثر اسلوب ابن حزم في رومانسيات القرون الوسطى والحديثة وتحول الى علامة فارقة في تاريخ العشق الانساني


الحب على مذهب ابن حزم  سحر يحرك الجبال
لا تسلني متى عيد الحب لكن لو سألتني أين عاصمته لقلت دون تردد : قرطبة زرياب فكلما عبرت الاندلس يشدني الشوق الى قرطبة أكثر من غيرها لا شوقا لولادة وابن زيدون وابن ميمون وابن رشد بل قبلهم جميعا لابن حزم الفقيه العاشق الذي صنع بلطفه ورقته وجمال مخيلته المشدودة الى واقعها بخيوط من حرير تاريخا لرومانسيات القرون الوسطى عند الاوربيين وعندنا فلهجته وتسامحه وبذخه الروحي الحميم تختلف جميعها عن كل ما ألفناه من كتب الحب وحكاياته في التراث المشرقي .
بعض الناس تشدهم غرناطة بحمرائها ومآسيها وتنهيدة العربي الأخير فيها لكنها في النهاية ومهما قيل عنها مدينة دسائس سياسية ومكائد سلطوية ودم يسيل ليملأ الآبار و يجري في النوافير كما حدث أبان نكبة بني سراج
وهذا ما لم يكن ينقص قرطبة لكنها وكلكل المدن الذكية التي تحتفي بجماليات الروح على قدم المساواة مع عربدة الجسد قدمت رومانسياتها وفلسفتها على دسائسها فصارت مدينة للعشق وتسامح الروح الباذخة التي تتنشقها الى اليوم صافية على قنطرة الوادي الكبير.
وقد كان ابن حزم من أكثر ابنائها نجابة وسعة أفق لذا لم يصعب عليه ان يكون عاشقا وفقيها في الوقت نفسه وان يشتهر بكتاب (الفصل في الملل والأهواء والنحل )بذات المقدار – وربما أكثر – الذي اشتهر به بكتاب (طوق الحمامة في الألفة والآلاف)الذي ألفه كما ينص في المقدمة لخيران صاحب المرية من حيث الظاهر – وهوظاهري –أما من حيث الباطن والتأوبل فذاك الكتاب كما أظن باقة اخلاص لحب قديم تملكه وسد عليه منافذ الأفق وكان لابد لتلك التجربة ان تخرج بطلب او دونه فالحب المعتق
في قوارير الماضي كعفاريت القماقم يظل يتلجلج ويدور في المسارب والفضاءات المغلقة حتى يكسر القمقم ويخرج الى النور .
ولا يخفي ابن حزم حكاية روحه المعذبة بحب أفلت صاحبته ولم يأفل فهو يخبرنا تلميحا بلطف منذ اول الكتاب في باب (من احب صفة لم يستحسن بعدهاغيرها مما يخالفها )انه احب- بلوندية - شقراء في صباه ولم يفكر بعدها في الشعر الاسود وصاحباته مهما بلغن من الجمال والفتنة (ولو انه على الشمس او على صورة الحسن نفسه )
ثم يصرح بالقصة كلها في باب البين في نهاية الكتاب :
(وعني اخبرك اني احد من دهي بهذه الفادحة وتعجلت له هذه المصيبة وذلك اني كنت من اشد الناس كلفا واعظمهم حبا بجارية لي كانت فيما خلا اسمها نغم وكانت امنية المتمني وغاية الحسن خلقا وخلفا وموافقة لي وكنت ابا عذرها وكناقد تكافأنا بالمودة ففجعتني بها الاقدار واخترمتها الليالي ومر النهار وصارت ثالثة التراب والاحجار وسني حين وفاتها دون العشرين وكانت هي دوني في السن فلقد اقمت بعدها سبعة اشهر لا أتجرد عن ثيابي ولا تفتر لي دمعة على جمود عيني وقلة اسعادها وعلى ذلك فوالله ما سلوت حتى الان ولو قبل فدا لفديتها بكل ما املك من تالد وطريف وببعض اعضاء جسمي العزيزة علي مسارعا طائعا وما طاب لي عيش بعدها ولا نسيت ذكرها ولا أنست بسواها ولقد عفى حبي لها على كل ما قبله وحرم ما كان بعده ) . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق