18 أكتوبر 2015

من كتاب التجليات للكاتب الكبير جمال الغيطاني // وهيبة سكر

من كتاب التجليات للكاتب الكبير جمال الغيطاني
________________________________________
ابتداء من العنوان" كتاب التجليات" يهندس جمال الغيطاني شراكا حميمة ومعبرة، لكل من انفتحت ذائقته على طقوس السرد الروحاني وكأنها رغبة في كتابة خطاب سردي لم تسبق مطالعة صنوه من حيث التشكيل السردي، حيث ينثال علينا هذا الكتاب في شكل" أسفار ثلاثة" كما اختار أن يسميها صاحبها(السفر الأول 1983) و(السفر الثاني1985)و(السفر الثالث 1986)، أكثر من ثلاث سنوات استهلكت لإنشاء هذه المدونة والتي خرج بها الغيطاني عن مجرى الزمن بين خوف ورجاء، محاولا استنفاذ الزمن والثقة في التغلب عليه، ليتخذ بذلك الخطاب طابعا أسطوريا.
حاول الغيطاني من خلال كتاب التجليات إنشاء مفارقة سردية، وهي إدماج توشيحات صوفية في صميم الخطاب السردي على مستويات عدة منها: طريقة عرض الأحداث وتقنية إسناد الحوار المثيرة للاستغراب، وكثيرا من المواقف الروائية، ثم ارتقاء مدارج السالكين، وإذا أخذنا هذا المنطق كركيزة، فسنقدم كيف اتخذ الروائي هذه المغامرة السردية موقفا يجمع بين المتناقضات ولعلها تبدأ من خلال اختيار العنوان " كتاب التجليات"، إنه عنوان لا يحيل إلى عمل أدبي بقدر ما يعطينا انطباعا صوفيا يربطنا بنمط الكتابة عند ابن عربي في رسائله، وفي الفتوحات المكية و فصوص الحكم ، وكذلك الحال مع أجزاء الرواية السفر الأول/ السفر الثاني/ السفر الثالث، إنها فيض سردي/صوفي داخل دوامة متناقضات من دخيلاء الراوي / المؤلف.
فيما يمثل " كتاب التجليات" قطيعة سردية فهو تجربة " ذات" تعيد النظر إلى جذور هويتها الثقافية وخاصة جوانبها الفطرية، أو المنابع البكر في الطبيعة والسلوك،بعد أن تعولمت ردحا من الزمن، هكذا ينسج الغيطاني شبكة عنكبوتية لا مجال للزمن الحقيقي فيها، قصد خلق أنساق جديدة من أجل تواصل الذات مع الآخر حتى وإن تبددت الأنساق فإن الإشارات الصوفية ومدارج السرد قريبة من نمط الرؤية والكتابة يقول الراوي:
« رجعت بعد فراق للأهل والوطن بعد أن قطعت اليباب واخترقت الحجب وتساقطت أمامي كل الحواجز التي لا تقدر على اجتيازها الطبيعة الإنسانية ....فعكفت ودونت لعلي آتي مما رأيت بقبس أحيانا وضحت وأحيانا فصلت وأحيانا رمزت ولوحت .... كدت أنتهي من الكتابة خطر لي خاطر أن أفرغ يدي من هذا الأمر الجلل خوفا من قلة التحقيق وعدم قدرتي على التدقيق ... فمزقت كل ما دونت"[2]
يذكر فيصل دراج تحت عنوان " جمالية الكتابة وانحلال الشكل الروائي" ما يلي : «حين كتب الغيطاني التجليات، كان يتوق إلى نص صوفي خاص به، ويحاكي نصا صوفيا غائبا وكانت روح ابن عربي الذي احتفت به صفحات الكتاب الأولى تخفق في سطور الغيطاني وفي ذاكرته المؤرقة »[3] ولقد رمينا حصاتنا المتواضعة في أعماق التجليات المتخثرة والمدهشة كالكشف الصوفي، محاولين استخراج مفارقات الآخر داخل مستويات الشطحات الكتابية، وأول محطة تستدعينا للوقوف عندها هي هذه المقولة : « عكفت على إعادة تدوين ما كتبت، فكان هذا الكتاب الذي يحوي تجلياتي وما تخللها من أسفار ومواقف وأحوال ومقامات ورؤى وهذا كتاب لا يفهمه إلا ذوو الألباب وأرباب المجاهدات»[4]
هذا المقطع السردي، يلخص كليا خصوصية هذا الخطاب الأدبي بوصفه نظاما علاماتيا يفرض مخططا لتفكيكه، ذلك أنه منذ البداية يعلن استغلاقه في وجه القارئ مما يجعله عصيا عن الفهم، وقد يكون الغيطاني صائبا في ملاحظته هذه ما دام أنه وظف مصطلحات صوفية مثل ( التجليات/ الأسفار/ المواقف/ الأحوال/ المقامات/ الرؤى / الوصل/ الفصل/......) وهذه طبعا من معجم الخطاب الصوفي، والتي لا يمكن وضعها في قوالب عقلية أو تفرض بطريقة منطقية لأنها مبنية على مفارقات ووليدة أحوال وأذواق لمشايخ عرفوا بتغلغلهم في التصوف.
لا يسعنا في هذا المضمار إلا أن نقدم لهذا العنوان " كتاب التجليات" ففي تضاعيفه المرجعية والمعجمية وإن بطرف خفي أبعاد صوفية، فقد كتب ابن عربي " كتاب التجليات"[5] سابقا. أما الغيطاني فاختياره لهذا العنوان لا يعدو أن يكون استلهاما من ابن عربي من منظور نظرية التناص، ثم مكث يحاكي محتوى النصوص بإضافات سردية لبلوغ درجة الكتابة الصوفية، وليس هذا التأويل ببعيد عما أشار إليه فيصل دراج في المقولة المذكورة سابقا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق