في يوم من الأيام، في بدايات القرن المنصرم، القرن العشرين، صرح آينشتين أن الزمن مجرد وهم تعودت عليه حواسنا، وتبعه كثير من العلماء رغم عدم هضمهم لهذه الأطروحة وتقبلوا مفهوم مبسط للزمن لايعدو كونه سهم أو اتجاه من الماضي نحو المستقبل مروراً بالحاضر، وبالتالي هو ليس سوى وهم ناجم عن التقلبات والتحولات والحركات التي تملأ العالم المادي، وهو صورة أخرى غير مألوفة للمكان، و لا وجود لما شاع بين الناس للزمن المطلق. وبعد مرور قرن يأتي عالم أمريكي هو لي سمولن Lee Smolin ليقول أن الزمن موجود وليس وهم. ولقد فاجأ صاحب نظرية الثقالة الكمومية أو الكوانتية لي سمولن في كتابه الأخير المعنون :" الزمن يولد من جديد Time Reborn – Le Temps Renait " الوسط العلمي في الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية عام 2013 إذ أن هذه المقاربة الجديدة للزمن من شأنها إنقاذ الفيزياء من الجمود الذي وقعت فيه مؤخراً والمساعدة على صياغة نظرية الثقالة الكمومية أو الكوانتية la gravité quantique التي ستمثل الخطوة الأولى حسب سملون للتوصل إلى النظرية النهائية الشاملة والجامعة والموحدة لكل نظريات الفيزياء.
كان الزمن وما يزال يشكل معضلة للفيزيائيين منذ إطاحته من عرشه على يد آينشتين إلى عودته متوجاً على يد لي سمولن حيث استمرت الفيزياء استخدام مقاديره وقيمه الرياضياتية رغم عجزها عن تحديد وتعريف ماهيته بدقة علمية قاطعة ونهائية. فهو موجود وبإمكانه أن يحدد لنا تأرخة أحداث، وتحديد مدد أو مديات، وفهم حقيقة وقوع حدثين في آن واحد، أي وضع نوع من التعاقبية أو التسلسلية للأحداث التاريخية التي تحدث في عمر الوجود. النقطة الأهم في هذا الطرح الجديد هو أن الزمن نفسه يمنعنا من السفر للماضي أو للمستقبل، مما يمنع أي فرد، لو قيض له أن يعود للماضي، من قتل جده ومنع ولادة أمه وبالتالي ولادته هو منها، في حين هو موجود لأنه هو الذي يقوم بعملية قتل الجد وهذه مفارقة. بينما لا تمنع نظرية النسبية، نظرياً على الأقل، إمكانية السفر عبر الزمن والعودة للماضي أو الذهاب للمستقبل. فالزمن وفق هذا المفهوم الجديد يحمي مبدأ السببية principe de causalité الذي يحتم أسبقية السبب للنتيجة والعلة للمعلول، وهو نفس المفهوم الذي تبناه إسحق نيوتن الذي قال بأن الزمن سيرورة تمضي على نحو متسق ومنتظم ومتماثل ومطلق يمتد من الماضي إلى المستقبل، وهو نفسه موجود في أي مكان في الكون، أما الزمن الحسي أو الحدسي فهو ذلك الذي نتشاطره بيننا جميعاً والذي يوائم الحياة اليومية. فالزمن من وجهة نظر غاليلو مثلاً هو علاقة بين شيئين وليس شيئاً موجوداً على نحو مستقل، مما يعني أن الزمان والمكان متداخلين وليسا جوهرين منفصلين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق