من كتاب المواقف والمخاطبات للنفري // موقف الصفح
أوقفني في الصفح الجميل وقال لي أنا يسرت المعذرة وأنا عدت بالعفو والمغفرة.
وقال لي إن أنزلتني في حسنتك نزلت في سيئتك.
وقال لي إن أنزلتني في حسنتك باهيت بها وإذا باهيت بها أثبتها في بهائي، وإذا نزلت في سيئتك محوتها من كتابك ومحوتها من قلبك فلا تجد بها فتستوحش ولا تفرغ إليها فتفترق.
وقال لي إن لم تعرف أي عبد أنت لي لم تعرف مني وإن لم تعرف مقامك مني لم تثبت في أمري وإن لم تثبت في أمري خرجت من ظلي.
وقال لي اعرف مقامك مني وأقم فيه عندي، فرأيت الكون كله جزيئة في جزيئة موصولة ومفصولة لا تستقل الموصولة من دونه بنفسها ولا بالمفصولة ولا تستقل المفصولة بنفسها ولا بالموصولة، ورأيته قد حجب الموصولات والمفصولات وختم على الحجاب بخاتمته ولم يؤذن المحجوب بختم الحجاب ولا بالحجاب فيكون الإيذان له تعرفاً إليه بحكم من أحكام الفوت فيكون التعرف إليه سبباً موصولاً به فيخرج عن الختم بالتعرف.
وقال لي اخرج عن الموصول والمفصول واخرج عن الحجاب والختم وعن الخاتم فالحجاب صفة والختم والخاتم صفة، فاخرج عن الصفات وانظر إلي لا تحكم علي الصفات ولا تهجم علي الموصوفات ولا تتعلق بي بالمتعلقات ولا تقتبس مني المقتبسات.
وقال لي لا تجعل الكون من فوقك ولا من تحتك ولا عن يمينك ولا عن شمالك ولا في علمك ولا في وجدك لا في ذكرك ولا في فكرك ولا تعلقه بصفة من صفاتك ولا تعبر بلغة من لغاتك وانظر إلى من قبله، فذلك مقامك فأقم فيه ناظراً إلي كيف كونت وكيف أكون وكيف قلبت ما أكون وكيف أشهدت وغيبت فيا قلبت وكيف استوليت على ما أشهدت وكيف أحطت على ما استوليت وكيف استأثرت فيما أحطت وكيف فت فيما أستأثرت وكيف قربت فما فت وكيف بعدت فيما قربت وكيف دنوت فيما بعدت، فلا تمل مع المائلات ولا تمد مع المائدات وكن كأنك صفة لا تتميل ولا تتزيل.
وقال لي هذا مقام الأمان والظل وهذا مقام العقد والحل.
وقال لي هذا مقام الولاية والأمانة.
وقال لي هذا مقامك فأقم فيه تكن في إحسان كل محسن وفي استغفار كل مستغفر.
وقال لي إذا أقمت في هذا المقام حوت صفتك جميع أحكام الصفات الطائعات وفارقت صفتك جميع أحكام الصفات العاصيات.
وقال لي إذا أقمت في هذا المقام قلت لك قل فقلت فكان ما تقول بقولي فشهدت الاختراع جهرة.
وقال لي إن ملت إلى العرش حبستك فيه فكان حجابك وإن حبستك فيه دخل كل أحد إلى حبسك فيه فحسبت لشرفه من فعلك فإن رددتك إلى شرفه وإلى فعلك كان حجابك.
وقال لي جد وجد الحضرة على أي صفة جاءك الوجد، فإن عارضتك الصفات فأدعها وأدع موصوفاتها إلى وجدك، فإن استجابت لك فاهرب إلى الصفة التي تجد بمقامك فيها وجد الحضرة فإن لم تهرب فارقك وجد الحضرة وتحكمت عليك صفات الحجاب وموصوفاتها.
وقال لي اجعل سيئتك نسياً منسياً، ولا تخطر بك حسنتك فتصرفها بالنفي.
وقال لي قد بشرتك بالعفو فاعمل به على الوجد بي وإلا لم تعمل.
وقال لي إن ذهبت عن وجد المغفرة أذهبك ما ذهبت إليه إلى المعصية، فحيث تسألني المغفرة فلا اصدق ما تقول ولا أتعرف من حيث تؤول.
وقال لي لا طريق إلى مقامك في ولايتي إلا الوجد منك بعفوي ومغفرتي، فإن أقمت في الوجد بما بشرتك به من عفوي ومغفرتي أقمت في مقامك من ولايتي وإن خرجت خرجت وإن خرجت فارقت.
وقال لي يا ولي قدسي واصطفاء محبتي.
وقال لي يا ولي محامدي يوم كتبت محامدي.
وقال لي قف في مقامك ففيه تجري عين العلم فلا تنقطع، فإذا جرت فانظر حكمتها فيما تجري وانظر حكمتها فيما تسقي ولا تمض معها فتذهب عن مقامك وعن العين فيه.
وقال لي أقم في مقامك تشرب من عين الحيوة فلا تموت في الدنيا ولا في الآخرة.
وقال لي الذنب الذي أغضب منه هو الذي أجعل عقوبته الرغبة في الدنيا والرغبة في الدنيا باب إلى الكفر بي فمن دخله أخذ من الكفر بما دخل.
وقال لي الراغب في الدنيا هو الراغب فيها لنفسه والراغب فيها لنفسه المحتجب بها عني القانع بها مني.
وقال لي إن لم تدر من أنت لم تفد علما ولم تكسب عملاً.
وقال لي قد رأيت مقامي ورأيت الكون وأريتك نوريتك فأين ذهبت بها ذهبت بها، فعلقت فتمخضت فوضعت فاستسعيتك فاسترهبتك فاستخدمتك.
وقال لي إن كنت من أهل القرآن فبابك في التلاوة لا تصل إلا منه.
وقال لي كذلك بابك فيما أنت فيه من أهله.
وقال لي تلاوة النهار باب إلى الحفظ والحفظ باب إلى تلاوة الليل وتلاوة الليل باب إلى الفهم والفهم باب إلى المغفرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق