أي ذكرى فارهة يمنحنا إياها الباب القديم، هذا المعبر الذي تشكلت تحت أقواسه أرواحنا، وتوسعت مدارك الطفولة قرب ظلاله، حتى بات لصيقا بأنفاسنا البعيدة، وبرؤيتنا المجرّحة مثل وعد لم يكتمل، باب من خشب يتنفس هواء الغابات والأدغال المجهولة، كي يختم عنوانه الطاهر، وبصمته البتولة على بيوتنا المهاجرة في الزمن، يترنّح هذا الزمن ويهلك ويتهاوى، ويظل الباب مثل دالية معلقة في الغيب، أو مثل جرس هائل يبعثر حيرة الصمت والنسيان.
يكتب الباب سيرة خطواتنا الصغيرة الضالعة في اكتشاف العوالم الغامضة خارج البيت، وها هو أيضا يكتب ألفتنا على دفتر الرمل ويغرس في باحة المنزل فسائل المحبة وأعواد الشغب الأليف.
الباب القديم، وهج يستفيق مثل شفرة حادة ولامعة تقطع النور عن الظلمة، نور العودة.. وظلمة السفر، وفي اللاوعي المصمت للجماد يؤرخ الباب لحركة الأجساد والأرواح التي وفدت إلى فردوس المنزل ثم غادرته، ويوثق رعشة الأدعية التي تطلقها الأمهات في إثر أبنائهن المنساقين لغواية الحياة، غياب وإياب، حلّ وترحال، إقامة وشتات ... يتصيد الباب حيلة هذه التناقضات المرهقة، كي يخلّد على سجلّه خشبي سيرة أحلامنا وخيباتنا، وكي يدوّن شواردنا بخطوط صارمة لا يخطئها الشعر، ولا يفلت من اغرائها الشاعر
بقلم وهيبة سكر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق