شيطـــــــــــــــــــــــــان الكتابة في طقوس الأدبــــــــــــــــــــــــــاء
________________________________________
لحظة الإلهام لدى الأدباء هي لحظة شديدة الخصوصية والسرية. يتحوّل فيها الأديب من كائن يومي محتمل إلى كائن غامض لا يحتمل، غريب الأطوار، استثنائي، ينفصل عن ذاته الطبيعية ليدخل في عوالم ثانية من الخيال الكبير وهو يحوّل لحظة الكتابة لديه إلى طقس لا إرادي يرغمه على أن يلتجئ إلى وسائل مختلفة في التعبير عن تلك اللحظة المفاجئة، لحظة الإلهام.
________________________________________
لحظة الإلهام لدى الأدباء هي لحظة شديدة الخصوصية والسرية. يتحوّل فيها الأديب من كائن يومي محتمل إلى كائن غامض لا يحتمل، غريب الأطوار، استثنائي، ينفصل عن ذاته الطبيعية ليدخل في عوالم ثانية من الخيال الكبير وهو يحوّل لحظة الكتابة لديه إلى طقس لا إرادي يرغمه على أن يلتجئ إلى وسائل مختلفة في التعبير عن تلك اللحظة المفاجئة، لحظة الإلهام.
لحظة المصالحة هذه هي من أغرب اللحظات التي تمر في حياة الأدباء والمبدعين وأكثرها ظرافة وقوة واستثناء في شخصياتهم اليومية بما نسميه طقوس الكتابة.
بعض الأدباء لا يكتبون إلا في وقت معين ومكان معين وفصل معين وظرف معين والبعض الآخر ليس لديه إحساس بالزمن الذي يحيط به ولا يهمه وقت الكتابة وظرفها.
ثمة مَن يكتب على ورق ملون وصقيل وثمة من يكتب على ورق أبيض وهناك من يكتب على دفتر جيب صغير والبعض الآخر يشخبط على أي شيء يتوفر لديه في لحظة الإلهام الهابطة من شيطان الكتابة.
ثمة من تضجره الأصوات وثمة من يأنس إلى الموسيقى وهناك من يفضل الصخب والضجيج كي يستطيع الكتابة وفريق آخر يهربون من بيوتهم إلى أمكنة أخرى كأن تكون دولاً لا يعرفها فيهم أحد نزولاً على رغبة وحي الكتابة.
جنية الشعر
___________
ملهمة الشاعر القديم وجنيتهُ ليس لها موعد مع القصيدة، فالكتابة في العصر الجاهلي مثلاً كانت تقع تحت تأثير المثيولوجي والسحري والطوطمي والفطري، ولا تخضع إلى شروط مقررة أو ثوابت أدبية يتم التعارف عليها نقدياً ؛ إنما تخضع لشيطان الشعر والشاعر وجنيّته
___________
ملهمة الشاعر القديم وجنيتهُ ليس لها موعد مع القصيدة، فالكتابة في العصر الجاهلي مثلاً كانت تقع تحت تأثير المثيولوجي والسحري والطوطمي والفطري، ولا تخضع إلى شروط مقررة أو ثوابت أدبية يتم التعارف عليها نقدياً ؛ إنما تخضع لشيطان الشعر والشاعر وجنيّته
. فقد كان الشاعر «أبو تمام» يسكب الماء على تراب خيمته الحارة وهو في أقصى درجات التوتر وينادي شياطين شعره بأسى «أخوكم أخوكم» ولا يكتب إلا في أول الليل، وكان المتنبي يصيغ شعره على إيقاع خطواته فتتنغم موسيقى قصيدته بالشكل الذي يرتئيه خارجاً عن طوره وهو يتسابق مع خطواته لكتابة القصيدة.
ويُحكى عنه أن بعض قصائده ربما كُتبت على مدى سنوات ولكنه يضمها إلى بعضها فتخرج كأنها كتبت بلحظة واحدة ؛
وللفرزدق قول مأثور في عذاب الكتابة «إن خلع ضرس أهون عليّ من قول بيت من الشعر في بعض الأوقات..»
وهو يتقابل تقريباً مع قول برناردشو «الدجاجة تبيّض صائحة والشاعر يبدع متألماً»شيطان الكتابة وشيطان الأديب يصبح خيال
نجيب محفوظ، مثلاً، نشيطا جدا أثناء تدخين الشيشة في مقهى الفيشاوي. وكان في قمة عطائه يكتب في فصلي الشتاء والخريف ولثلاث ساعات يومياً من العاشرة صباحاً إلى الواحدة ظهراً، وفي مكتبه بمنزله في حي العجوزة ومن طقوس كتابته أن يتهيأ للكتابة بالمشي قليلاً والاستماع إلى الموسيقى وبعض الأغاني من المذياع، وكان خلال ساعات الكتابة يتناول ثلاثة فناجين قهوة، فنجانا واحدا كل ساعة تعده زوجته من دون أن يطلب منها ذلك، ومع القهوة يدخن بشراهة.
يروى عن الشاعر الجواهري (1899 - 1988) انه في لحظة مخاض القصيدة يقوم بغناء المقامات العراقية القديمة وهو جالس في «الحمّام» فلا يأتيه شيطان الشعر أحياناً إلا في هذه الخلوة مع نفسه! بينما يضطجع على بطنه الشاعر نزار قباني (1923 - 1998 ) وأمامه حشد من الأوراق الملونة وكان يحب دائماً أن يكتب على ورق ملّون أصفر أو زهري ويعيد الكتابة على الورقة الواحدة عدّة مرات وعندما يدخل غرفة مكتبه كان ينفصل تماماً عن العالم ومهما حدث لا يتحرك عن كرسيه حتى ينتهي من قصيدته.
ويتحدث نزار بنفسه في لقاء معه: لا أحتاج إلى أكثر من سرير انفرادي، كتلك الأسرة المستعملة في المستشفيات والسجون لأكتب قصيدتي، ولو أنني نمت بالصدفة على سرير من طراز لويس الخامس عشر أو لويس السادس عشر لطار النوم من عينَّي وطارت القصيدة.. إن أجمل قصائدي كتبتها وأنا ألبس بنطلون الجينز الأزرق.. وأقضم ساندويتش على أرصفة المدن المزدحمة.
الإنجليزي تشارلز ديكنز (1812- 1870) كان يكتب بحبر أزرق على ورق أزرق اما النرويجي هنري إبسن (1828 - 1906) فكان يضع أمامه صورة للأديب «سترندبرج» وهو أعدى أعدائه ويقول: إنما أردت أن أغيظه وهو يتفرج على إبداعي قبل نشره على الناس!
دون روبرتسون كان يكتب قصصه ورواياته طوال الليل، بينما «ماري أوهارا» تستيقظ مبكرة كل يوم أمام آلتها الكاتبة قبل نور الصباح أما بلزاك (1799- 1850) فكانت إبداعاته تستحثه بالليل والنهار متجاهلا الحياة الاجتماعية والعائلية، ويتعاطى في اليوم أكثر من خمسين فنجانا من القهوة.
والروائية العربية «احلام مستغانمي» تغير أرقام هواتفها وتنعزل ثم تقرر السفر إلى بلد جديد لا يعرفها فيه أحد كي تنجو بروايتها «عابر سرير» بعيداً عن يوميات اعتادتها وألفتها
، غير أن الإنجليزيّة «جورج إليوت» اعتادت الكتابة في صالة البيت التي تعجّ بحركات أبناء شقيقتها وعبثهم ونزقهم وأرنست همنغواي (1899 - 1916 ) لا يكتب إلا وهو في كامل أناقته ولكنه يكتب واقفا!
ود. ه. لورنس (1885- 1930) وفيكتور هيجو (1802-18800) يكتبان في حالة عري وغوستاف فلوبير( 1821 - 1880) يرتدي ملابسه الأنيقة، ويضيء كلّ مصابيح البيت حتّى يظنّ الناس أنّه أقام وليمة..
عندما يكون الأدباء عراة
ود. ه. لورنس (1885- 1930) وفيكتور هيجو (1802-18800) يكتبان في حالة عري وغوستاف فلوبير( 1821 - 1880) يرتدي ملابسه الأنيقة، ويضيء كلّ مصابيح البيت حتّى يظنّ الناس أنّه أقام وليمة..
عندما يكون الأدباء عراة
صحافي أجرى حواراً مع محمود درويش منذ أعوام اخبر الشاعر انه اضطر للصعود بالسلالم للوصول لشقته لأن المصعد معطل، فأدهشه جواب درويش حين قال انه لم يكن يعلم بذلك لأنه لم يغادر الشقة منذ أيام. والمغربي محمد شكري يقول: «في المطعم والمقهى والجبل والبحر، كنت أحمل أوراقاً وقلماً وأينما عنت لي فكرة أجلس واكتب».
وكان أمير الشعراء أحمد شوقي يكتب على أي شيء يجده، فإذا لم يجد إلا علبة كتب عليها، وكتب مرة إحدى قصائده على قطعة قماش كانت أمامه. أما أجاثا كريستي فكانت تجلس في البانيو ساعات طوالاً حتى تجد القصة الملائمة، وقالت: لا أستطيع وضع تصاميم رواياتي إلا في الرياح الممطرة، ومن طقوس الكتابة عند الروائي المصري يوسف القعيد أنه ينام باكراً في الساعة الثامنة.
وكان أمير الشعراء أحمد شوقي يكتب على أي شيء يجده، فإذا لم يجد إلا علبة كتب عليها، وكتب مرة إحدى قصائده على قطعة قماش كانت أمامه. أما أجاثا كريستي فكانت تجلس في البانيو ساعات طوالاً حتى تجد القصة الملائمة، وقالت: لا أستطيع وضع تصاميم رواياتي إلا في الرياح الممطرة، ومن طقوس الكتابة عند الروائي المصري يوسف القعيد أنه ينام باكراً في الساعة الثامنة.
ويستيقظ في الخامسة صباحاً، يذهب إلى حجرة الطعام ويكتب فيها من السادسة إلى الثامنة ثم يتناول فطوره ويغير مكان الكتابة أحياناً، لكنه لا يكتب بعد العاشرة صباحاً. وكان الشاعر الفرنسي «بول جير» يكتب على ورق وردي فإذا لم يجده فإنه يرسمُ زهوراً وطيوراً حول قصيدته.
على أن عباس محمود العقاد ( 1889-1963) يكتب بالحبر الأحمر على ورق في مساحة الكف ولابد أن يكون مستلقياً على فراشه، وجان كوكتو (1889 - 3691) لا يكتب إلا بعد أن يضع على منضدته كوباً مقلوباً على عقربٍ حي! وعُرف عن «بروست» أنه لا يستطيع الكتابة إلا عند دخوله غرفته ليلاً حيث الصمت والجدران التي تحجب الصخب في شوارع باريس؛ أما « د. ه. لورانس».
فكان لا يستطيع الكتابة إلا وهو عارٍ من الملابس تماماً ! فيما يقرأ دوستويفسكي الرواية التي يكتبها بصوتٍ عالٍ حتى يحفظها عن ظهر قلب قبل أن ينتهي من كتابتها! وكان جيمس جويس يكتب واقفاً.. والبير كامو يكتب واقفاً هو الآخر ولكن لابد أن تكون أمامه شرفة مفتوحة.. وإذا كان شيطان «كيتس» الشعري لا يحضره إلا في أجواء الصيف .
فانَّ صديقة «شيللي» لا يمكن إلا أن يبدع نصوصه الفنتازية إلا في فصل الخريف، أما «عبدالرحمن الظاهر» فإنه لا بد من أن يشرب فنجاناً من الشاي الأخضر، ثم يشرع في الكتابة كما شوهد أكثر من مرة وهو يغسل قلمه بالماء ! ولا يستطيع رامبو (1854 - 1981) الكتابة الا في القطارات المتحركة، أما «شارلوت برونتي» فكأنها تكتب بإبرة لأن خطها دقيق وأنيق.
في حين يكتب السريالي أنطوان آرتو مسودة فيها مقاطع غير متشابهة وعندما يستيقظ في اليوم التالي يقوم بربط المقاطع غير المتشابهة وإذا لم يحقق الغرض المطلوب فإنه يقوم بتمزيقها، وفولتير لا يستطيع الكتابة إلا إذا كانت أمامه مجموعة من أقلام الرصاص وبعد أن ينتهي من الكتابة يحطمها ويلفها في الورقة التي كتب فيها ثم يضعها تحت وسادته وينام ؛ وكان توفيق الحكيم يكتب على ورق بنفس الحجم ولكن بالحبر الأسود والأزرق. أما الدكتور عبد الرحمن بدوي فحروفه أقرب إلى حروف الطباعة لدقتها.
عفريتة ماركيز
الروائي العالمي غابريل غارسيا ماركيز يلبس أثناء كتابته لباساً شبيهاً بلباس الميكانيكي وقال في حديث أجري معه: عندما أكتب البس عفريتة الميكانيكي لأنها رداء مريح، فالعفريتة هي اللباس العملي لأقصى حد الذي تم اختراعه للعمل، فما عليك إلا أن تندس داخله في الصباح وتشد السحّاب.
أما إدوارد خراط فكان يصمت شهوراً أو سنيناً وفجأة يبدأ بالكتابة بسرعة وبدقة إلى أن يتوقف فجأة مثلما بدأ، ومن طقوس كتابته أنه لا يكتب إلا في آخر الليل على مكتبه البيتي حيث يكون محاطاً بالكتب من كل ناحية ومن عادته أن يكتب بأي نوع من الأقلام وعلى أي نوع من الورق وكان يعيد كتابة بعض قصصه حوالي خمسين مرة في بداياته.
والروائي إبراهيم أصلان كتب معظم أجزاء روايته «مالك الحزين» في أحد المقاهي في قمة الضجيج، وكان سارتر يأخذ سيمون دي بوفوار إلى أنفاق المترو ويشرح لها كتباً ونظريات وهمية لم يؤلفها، فإذا لمس عندها إبهاراً فإنه يعود لتأليفها.. أما أغرب ما يمكن أن نسجله في غرائب الطقوس هي للشاعر الأميركي ادغار ألان بو (1809 - 1849) الذي كان لا يستطيع الكتابة إلا أن يضع قطاً على كتفه !!
فكان لا يستطيع الكتابة إلا وهو عارٍ من الملابس تماماً ! فيما يقرأ دوستويفسكي الرواية التي يكتبها بصوتٍ عالٍ حتى يحفظها عن ظهر قلب قبل أن ينتهي من كتابتها! وكان جيمس جويس يكتب واقفاً.. والبير كامو يكتب واقفاً هو الآخر ولكن لابد أن تكون أمامه شرفة مفتوحة.. وإذا كان شيطان «كيتس» الشعري لا يحضره إلا في أجواء الصيف .
فانَّ صديقة «شيللي» لا يمكن إلا أن يبدع نصوصه الفنتازية إلا في فصل الخريف، أما «عبدالرحمن الظاهر» فإنه لا بد من أن يشرب فنجاناً من الشاي الأخضر، ثم يشرع في الكتابة كما شوهد أكثر من مرة وهو يغسل قلمه بالماء ! ولا يستطيع رامبو (1854 - 1981) الكتابة الا في القطارات المتحركة، أما «شارلوت برونتي» فكأنها تكتب بإبرة لأن خطها دقيق وأنيق.
في حين يكتب السريالي أنطوان آرتو مسودة فيها مقاطع غير متشابهة وعندما يستيقظ في اليوم التالي يقوم بربط المقاطع غير المتشابهة وإذا لم يحقق الغرض المطلوب فإنه يقوم بتمزيقها، وفولتير لا يستطيع الكتابة إلا إذا كانت أمامه مجموعة من أقلام الرصاص وبعد أن ينتهي من الكتابة يحطمها ويلفها في الورقة التي كتب فيها ثم يضعها تحت وسادته وينام ؛ وكان توفيق الحكيم يكتب على ورق بنفس الحجم ولكن بالحبر الأسود والأزرق. أما الدكتور عبد الرحمن بدوي فحروفه أقرب إلى حروف الطباعة لدقتها.
عفريتة ماركيز
الروائي العالمي غابريل غارسيا ماركيز يلبس أثناء كتابته لباساً شبيهاً بلباس الميكانيكي وقال في حديث أجري معه: عندما أكتب البس عفريتة الميكانيكي لأنها رداء مريح، فالعفريتة هي اللباس العملي لأقصى حد الذي تم اختراعه للعمل، فما عليك إلا أن تندس داخله في الصباح وتشد السحّاب.
أما إدوارد خراط فكان يصمت شهوراً أو سنيناً وفجأة يبدأ بالكتابة بسرعة وبدقة إلى أن يتوقف فجأة مثلما بدأ، ومن طقوس كتابته أنه لا يكتب إلا في آخر الليل على مكتبه البيتي حيث يكون محاطاً بالكتب من كل ناحية ومن عادته أن يكتب بأي نوع من الأقلام وعلى أي نوع من الورق وكان يعيد كتابة بعض قصصه حوالي خمسين مرة في بداياته.
والروائي إبراهيم أصلان كتب معظم أجزاء روايته «مالك الحزين» في أحد المقاهي في قمة الضجيج، وكان سارتر يأخذ سيمون دي بوفوار إلى أنفاق المترو ويشرح لها كتباً ونظريات وهمية لم يؤلفها، فإذا لمس عندها إبهاراً فإنه يعود لتأليفها.. أما أغرب ما يمكن أن نسجله في غرائب الطقوس هي للشاعر الأميركي ادغار ألان بو (1809 - 1849) الذي كان لا يستطيع الكتابة إلا أن يضع قطاً على كتفه !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق