وطبيعة المرأة السوية، أنها تكتفي برجل واحد فقط، ولا تقبل بأكثر من شخص يجلس على عرش قلبها.
أما الرجل إن تزوج عن غير حب حقيقي، فهو لا يعطي كل شيء، ولا يمنح المرأة الثقة الكاملة، حتى وإن كانت زوجته، فتكون له نزواته، وثرواته التي قد لا تعلم زوجته عنها شيئاً، وقد تعتقد النساء إن تلك طبيعة كل الرجال، ولكن الحقيقة غير ذلك، وقد تتزوج نساء بعد قصص حب طويلة، وبعد الزواج تكتشف إن من عاشت معه قصة حب صادقة من جانبها، تجد أن زوجها من كان حبيبها يوماً، لا يعطيها كل شيء، فتلقي بتهم الخيانة على زوجها وعلى كل الرجال ! بإعتبار إن تلك حقيقة وطبيعة الرجال، بيد إن هذا أمر غير صحيح، وله أسباب أخرى.
السبب الحقيقي للعدم مبادلة الرجل نفس المشاعر مع زوجته التي تزوجها بعد قصة حب، أن الأغلب والأعم من كل تلك القصص، تكون صادقة من جانب المرأة فقط، لكنها لا تكون صادقة من جانب الرجل، ذلك لأن الرجل إن أحب فإنه يحب مرة واحدة في حياته، فإن ذهب حبه لأي سبب كان، فإنه لا يحب مرة ثانية، وقد يرسم الحب والمشاعر، وقد يوهم نفسه أيضاً بذلك، إلا إنه في واقع الأمر لن يكون قادراً على الحب لمرة ثانية، فمشاعر الرجل مثل زهرة تنبت وسط قلبه المليء بالصخور، ولا تتفتح تلك الزهرة إلا أمام إمرأة واحدة، فإن قطفتها، تكون هي الوحيدة القادرة على رعايتها، فإن أتلفتها أو تركتها، فإنها لن تعود إلى مكانها، لأنها سبق وإن إجتثت من جذورها، والزهور لا تنبت وسط الصخور إلا مرة واحدة.
سبق وأن ذكرت أن المرأة إن أحبت فإنها تعطي كل شيء، ولكن الرجل إن أحب حقاً فإنه يعطي كل شيء، وأيضاً يكرس حياته لتكون مهمته في المقام الأول رسم البسمة على وجه محبوبته، إن المرأة حتى وإن أعطت كل شيء، ستبقى لحياتها عندها قيمة كبرى، إما الرجل المحب، لو أجبر على الإختيار بين حياته وحياة من أحبها، فإنه سيختار حياة حبيبته، أياً ما كانت النتائج.
عندما كتب الروائي العالمي جابريل جارثيا ماركيز، رواية الحب في زمن الكوليرا، لم يكتبها من خيال واهي، بل كتبها بعد إن غاص في النفس البشرية، بطريقة الكاتب المتأمل والمتعمق فيما يكتب، فوصل إلى وجدان الشاب "فلورينتينو" والذي هو بطل الرواية، فقد ظل وافياً لـ "فرمينيا" الفتاة التي أحبها برغم أنها تركته وتزوجت من غيره، وبرغم أنها أصبحت أم، ظل يحبها، وبرغم مرور السنين حتى كبرت وتجاوزت السبعين ! إلا إن "فلورينتينو" ظل محتفظاً بحب تلك المرأة في قلبه، ولم يستطيع نسيانها، حتى فاز بها ولكن بعد إن تخطت السبعين من عمرها، ففقدت جمالها وتلاشت أنوثتها، ولم تعد صالحة لعلاقة غرامية كاملة، إلا أن الرواية إنتهت إلى إن "فلورينتينو" إكتفى بمجرد قربه من "فرمينيا" ساعياً لنيل رضاها وإسعادها.
وعلى جانب آخر تأتي شخصية العاشق الهندي "ديفداس" وتلك شخصية حقيقية، كانت نهايتها موت ديفداس عام 1917م، وتم تجسيدها في أكثر من ثلاثة أفلام، إنتج أول فيلم عن الشخصية، بعد وفاة "بارو" الشخصية الحقيقية التي إحبها "ديفداس" في القرن العشرين وتحديداً إنتج عام 1935م، و "ديفداس" الذي إحب "بارو" وأبعدتها الظروف عنه، تزوجت من غيره، فلم يجد "ديفداس" سوى شرب الخمر حتى ينساها، فساءت صحته حتى أصبح أول كأس خمر يشربه بعد ذلك، ككأس سم قاتل، إلا أنه شربه، بعد أن إقترب من منزل "بارو" الفتاة التي سبق وإن أحبها، وإنتهى به الإمر أن لفظ إنفاسه الإخيرة أمام منزلها، دون إن تراه.
وقصة "روميو"للكاتب العالمي شكسبير، ذلك الشاب الذي شرب السم، بعد إن ظن بوفاة محبوبته "جوليت" فلم يعد يتحمل الحياة بدونها للحظات وليس لأيام !
إن الأمثلة كثيرة، وما أقوله ليس إلا سرد للحقيقة، التي قد لا تعجب الكثير رجالاً أو نساءاً، نظراً لأنه ليس كل العلاقات التي تنتهي بالزواج، تكون حب حقيقي من جانب الرجل، فأغلب قصص الحب الحقيقية للرجال، تنتهي بالفشل، وكأنه القدر الذي لا يمكن أن تقف أمامه، فإن وقف القدر حائلاً بين الرجل وحبه الوحيد، فلن تنتهي العلاقة أبداً بالزواج، وقد يموت الرجل المحب دون أن يتزوج من أخرى لا يحبها، فزهرة وجدانه ومشاعره سبق وأن إقتطفت، ولن تنبت مرة أخرى، فيتحول إلى كائن مادي لا يشعر بالحب بعد ذلك، حتى وإن كان أمام أجمل النساء، أو أكثرهن حسباً ونسباً، فالزهرة لن تنبت مرة أخرى بين صخور قلبه.
إن الرجل إذا أحب وتزوج ممن أحبها، لا يفرط فيها أبدا، فستكون مصدر إلهامه وروحه وحياته، والرجل مع من يحبها لا يبحث عن سعادته الشخصية، بل يبحث عن سعادة من أحبها، حتى وإن تسببت سعادة محبوبته في تعاسته، إلا أنه سيكون راضياً قنوعاً، حامداً ربه شاكرا، أن فاز بمن قطفت زهرة مشاعره، وظلت معه، دون أن تفارقه، حتى وإن لم تكن تبادله نفس المشاعر.
بيد أنه كما سبق وأن ذكرت فإن أغلب قصص الحب الحقيقية تنتهي بالفشل، ودائماً ما يكون وراء هذا الفشل أسباب، وتتنوع الأسباب تبعاً لظروف كل شخص، فقد يكون المال عائقاً، وإن إختلفت الجنسيات، قد تكون العادات والتقاليد سبباً في عدم إتمام الزواج، وقد تكون الحدود بين الدول سبباً، وقد يأتي الفشل بسبب أشخاص يُظهِرون عكس ما يُضمرون، والسبب الأخير هو الأشد والأصعب، لأنه بخلاف الضرر، فإفساد آخرين لعلاقة حب تعد أكبر خيانة.
عندما لا ينتهي الحب بالزواج، فقد تتزوج المرأة، وقد لا يتزوج الرجل، وتظن المرأة أن علاقتها السابقة سينساها أيضاً من أحببته يوماً، لكنها لا تعلم أنه إن كان حقاً يحبها فإنه لن ينساها، وعلى المرأة أن تعلم أن الشخص الذي سبق وأن قطفت زهرة قلبه، يكون سعيداً كلما علم عنها خيراً، ومهما إبتعدت المسافات، أو إختلفت الجنسيات، أو إختلفت الرؤى للحياة، سيظل الرجل على عهده لها، لأن الرجل لا يحب إلا مرة واحده.
على المرأة التي فارقت من أحبها حباً صادقاً، أن تعلم أنه ما تركها أو فرط فيها يوماً، برغبته أو بإرادته ومهما كانت قوته التي كانت تراها، إلا أن القدر كان هو الحائل بينه وبينها، فإن أعادت المرأة شريط ذكرياتها ستكتشف، أن قصة حبها التي لم تنتهي بالزواج، لمن يكن بسبب من أحبتهُ، بل أطراف من جانبها وأيضاً من جانبه، فمن وثق فيهم الرجل ومن وثقت فيهم محبوبته هم من يخونون العهد، مهما كانت صلة قرابتهم بأي منهم، ومهما كانت درجة رفعتهم أو تقديرهم عند الرجل ! وقد يساعد على إنهاء قصص الحب أيضاً ظروف عامة، إن إختلفت الجنسيات، قد تمنع الرجل من عبور حدود أرض محبوبته، وكأنها ظروف ما أتت إلا لإنهاء قصة حب كانت صادقة من جانب الرجل.
إن قصص الحب الحقيقية، قد تنتهي إنتهاء مادي فقط، فقد لا يتقابل الطرفان، بيد أن الحب لا يعرف المسافات، ولا يعترف بالحدود، وقد يفارق الرجل حبه، لكنه فراق الجسد فقط، فالرجل إن إحب لا ينسى حبه طالما ظل حياً، وكما ذكرت آنفاً، الحب يأتي للرجل مرة.